فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (1- 5):

قوله تعالى: {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
{بسم الله} الملك الأعلى الرحمن، الذي عمت نعمة إيجاده وبيانه جميع الورى (الرحيم) الذي خص أهل حزبه بالتوفيق لما يجب ويرضى.
لما ختم العاديات بالبعث ذكر صيحته فقال: {القارعة} أي الصيحة أو القيامة، سميت بها لأنها تقرع أسماع الناس وتدقها دقًا شديدًا عظيمًا مزعجًا بالأفزاع، والأجرام الكثيفة بالتشقق والانفطار، والأشياء الثابتة بالانتثار.
ولما كانت تفوق الوصف في عظم شأنها وجليل سلطانها، عبر عن ذلك وزاده عظمًا بالإلهام والإظهار في موضع الإضمار مشيرًا بالاستفهام إلى أنها مما يستحق السؤال عنه على وجه التعجيب والاستعظام فقال: {ما القارعة} وأكد تعظيمها إعلامًا- بأنه مهما خطر ببالك من عظمها فهي أعظم منه فقال: {وما أدراك} أي وأيّ شيء أعلمك وإن بالغت في التعرف، وأظهر موضع الإضمار لذلك فقال: {ما القارعة} أي أنك لا تعرفها لأنك لم تعهد مثله.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما قال الله سبحانه وتعالى: {أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور} كان ذلك مظنة لأن يسأل: متى ذلك؟ فقيل: يوم القيامة الهائل الأمر، الفظيع الحال، الشديد البأس، والقيامة هي القارعة، وكررت تعظيمًا لأمرها كما ورد في قوله تعالى: {الحاقة ما الحاقة} [الحاقة: 1- 2] وفي قوله سبحانه: {فغشيهم من اليم ما غشيهم} [طه: 78] ثم زاد عظيم هوله إيضاحًا بقوله تعالى: {يوم يكون الناس كالفراش المبثوث} والفراش ما تهافت في النار من البعوض، والمبثوث: المنتشر {وتكون الجبال كالعهن المنفوش} والعهن: الصوف المصبوغ، وخص لإعداده للغزل إذ لا يصبغ لغيره بخلاف الأبيض فإنه- لا يلزم فيه ذلك، ثم ذكر حال الخلق في وزن الأعمال وصيرورة كل فريق إلى ما كتب له وقدر- انتهى.
ولما ألقى السامع جميع فكره إلى تعرف أحوالها، قال ما تقديره: تكون {يوم يكون} أي كونًا كأنه جبلة {الناس} أي الذين حالهم النوس على كثرتهم واختلاف ذواتهم وأحوالهم ومراتبهم ومقاديرهم وانتشارهم بعد بعثرة القبور وتحصيل ما في الصدور {كالفراش} أي صغار الجراد لأنها تتفرش وتتهافت على النار، أو هو طير غير ذلك لا دم له، يتساقط في النار وليس ببعوض ولا ذباب، وقال حمزة الكرماني: شبههم بالفراش التي تطير من هنا ومن هنا ولا تجري على سمت واحد وهي همج يجتلبها السراج، وقال غيره: وجه الشبه الكثرة والانتشار والضعف والذلة والتطاير إلى الداعي من كل جانب كما تتطاير الفراش، وكثرة التهافت في النار وركوب بعضهم بعضًا- وموج بعضهم في بعض من شدة الهول كما قال تعالى: {كأنهم جراد منتشر} [القمر: 7] {المبثوث} أي المنتشر المتفرق.
ولما كانت الجبال أشد ما تكون، عظم الرهبة بالإخبار بما يفعل بها فقال تعالى: {وتكون الجبال} على ما هي عليه من الشدة والصلابة وأنها صخور راسخة {كالعهن} أي الصوف المصبغ لأنها ملونة كما قال تعالى: {ومن الجبال جدد بيض وحمر} [فاطر: 27] أي وغير ذلك {المنفوش} أي المندوف المفرق الأجزاء الذي ليس هو بمتلبد شيء منه على غيره، فتراها لذلك متطايرة في الجو كالهباء المنثور حتى تعود الأرض كلها لا عوج فيها ولا أمتًا. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال نظام الدين النيسابوري:

.القراءات:

{ما هي} بغير هاء السكت في الوصل: حمزة وسهل ويعقوب. الآخرون: بالهاء وإن كانت وصلًا إتباعًا لخط المصحف.

.الوقوف:

{القارعة} o لا {ما القارعة} o لا {المبثوث} o ج للآية والعطف {المنقوش} o ط للابتداء بالشرط {موازينه} o لا لأن ما بعده جواب فأما {راضية} o ط {موازينه} o لا {هاوية} o ط {ماهية} o ط {حامية} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

سُورَة ٌ الْقَارِعَة ُ إحدى عَشْرَةَ ءايَةً اعلم أنه سبحانه وتعالى لما ختم السورة المتقدمة بقوله: {إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ}فكأنه قيل وما ذلك اليوم فقيل هي القارعة.
{الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)} اعلم أن فيه مسائل:
المسألة الأولى:
القرع الضرب بشدة واعتماد، ثم سميت الحادثة العظيمة من حوادث الدهر قارعة، قال الله تعالى: {وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ} [الرعد: 31] ومنه قولهم: العبد يقرع بالعصا، ومنه المقرعة وقوارع القرآن وقرع الباب، وتقارعوا تضاربوا بالسيوف، واتفقوا على أن القارعة اسم من أسماء القيامة، واختلفوا في لمية هذه التسمية على وجوه:
أحدها: أن سبب ذلك هو الصيحة التي تموت منها الخلائق، لأن في الصيحة الأولى تذهب العقول، قال تعالى: {فَصَعِقَ مَن في السموات وَمَن في الأرض} [الزمر: 68] وفي الثانية تموت الخلائق سوى إسرافيل، ثم يميته الله ثميحييه، فينفخ الثالثة فيقومون.
وروى أن الصور له ثقب على عدد الأموات لكل واحد ثقبة معلومة، فيحيي الله كل جسد بتلك النفخة الواصلة إليه من تلك الثقبة المعينة، والذي يؤكد هذا الوجه قوله تعالى: {مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} [يس: 49] {فَإِنَّمَا هي زَجْرَةٌ واحدة} [الصافات: 19].
وثانيها: أن الأجرام العلوية والسفلية يصطكان اصطكاكًا شديدًا عند تخريب العالم، فبسبب تلك القرعة سمي يوم القيامة بالقارعة.
وثالثها: أن القارعة هي التي تقرع الناس بالأهوال والإفزاع، وذلك في السموات بالانشقاق والإنفطار، وفي الشمس والقمر بالتكور، وفي الكواكب بالانتثار، وفي الجبال بالدك والنسف، وفي الأرض بالطي والتبديل، وهو قول الكلبي ورابعها: أنها تقرع أعداء الله بالعذاب والخزي والنكال، وهو قول مقاتل، قال بعض المحققين وهذا أولى من قول الكلبي لقوله تعالى: {وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءامِنُونَ} [النمل: 89].
المسألة الثانية:
في إعراب قوله: {القارعة مَا القارعة} وجوه:
أحدها: أنه تحذير وقد جاء التحذير بالرفع والنصب تقول: الأسد الأسد، فيجوز الرفع والنصب.
وثانيها: وفيه إضمار أي ستأتيكم القارعة على ما أخبرت عنه في قوله: {إِذَا بُعْثِرَ مَا في القبور} [العاديات: 9].
وثالثها: رفع بالابتداء وخبره: {مَا القارعة} وعلى قول قطرب الخبر.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا القارعة}.
فإن قيل: إذا أخبرت عن شيء بشيء فلابد وأن تستفيد منه علمًا زائدًا، وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ} يفيد كونه جاهلًا به فكيف يعقل أن يكون هذا خبرًا؟.
قلنا: قد حصل لنا بهذا الخبر علم زائد، لأنا كنا نظن أنها قارعة كسائر القوارع، فبهذا التجهيل علمنا أنها قارعة فاقت القوارع في الهول والشدة.
المسألة الثالثة:
قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا القارعة} فيه وجوه:
أحدها: معناه لا علم لك بكنهها، لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها وهم أحد ولا فهمه، وكيفما قدرته فهو أعظم من تقديرك كأنه تعالى قال: قوارع الدنيا في جنب تلك القارعة كأنها ليست بقوارع، ونار الدنيا في جنب نار الآخرة كأنها ليست بنار، ولذلك قال في آخر السورة:
{نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة: 11] تنبيهًا على أن نار الدنيا في جنب تلك ليست بحامية، وصار آخر السورة مطابقًا لأولها من هذا الوجه.
فإن قيل: هاهنا قال: {وَمَا أَدْرَاكَ ما القارعة} وقال في آخر السورة: {فَأُمُّهُ هاويه وما أدراك ماهيه} [القارعة: 9، 10] ولم يقل: وماأدراك ما هاوية فما الفرق؟.
قلنا: الفرق أن كونها قارعة أمر محسوس، أما كونها هاوية فليس كذلك، فظهر الفرق بين الموضعين.
وثانيها: أن ذلك التفصيل لا سبيل لأحد إلى العلم به إلا بأخبار الله وبيانه، لأنه بحث عن وقوع الوقعات لا عن وجوب الواجبات، فلا يكون إلى معرفته دليل إلا بالسمع.
المسألة الرابعة:
نظير هذه الآية قوله: {الحاقة مَا الحاقة وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحاقة} [الحاقة: 1- 3] ثم قال المحققون قوله: {القارعة مَا القارعة} أشد من قوله: {الحاقة مَا الحاقة} لأن النازل آخرًا لابد وأن يكون أبلغ لأن المقصود منه زيادة التنبيه، وهذه الزيادة لا تحصل إلا إذا كانت أقوى، وأما بالنظر إلى المعنى، فالحاقة أشد لكونه راجعًا إلى معنى العدل، والقارعة أشد لما أنها تهجم على القلوب بالأمر الهائل.
ثم قال تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش}.
قال صاحب الكشاف: الظرف نصب بمضمر دلت عليه القارعة، أي تقرع يوم يكون الناس كذا.
واعلم أنه تعالى وصف ذلك اليوم بأمرين:
الأول: كون الناس فيه: كالفراش المبثوث قال الزجاج: الفراش هو الحيوان الذي يتهافت في النار، وسمي فراشًا لتفرشه وانتشاره، ثم إنه تعالى شبه الخلق وقت البعث هاهنا بالفراش المبثوث، وفي آية أخرى بالجراد المنتشر.
أما وجه التشبيه بالفراش، فلأن الفراشاذا ثار لم يتجه لجهة واحدة، بل كل واحدة منها تذهب إلى غير جهة الأخرى، يدل هذا على أنهم إذا بعثوا فزعوا، واختلفوا في المقاصد على جهات مختلفة غير معلومة، والمبثوث المفرق، يقال: بثه إذا فرقه.
وأما وجه التشبيه بالجراد فهو في الكثرة.
قال الفراء: كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضًا، وبالجملة فالله سبحانه وتعالى شبه الناس في وقت البعث بالجراد المنتشر، وبالفراش المبثوث، لأنهم لما بعثوا يموج بعضهم في بعض كالجراد والفراش، ويأكد ما ذكرنا بقوله تعالى: {فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} [النبأ: 18] وقوله: {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين} [المطففين: 6] وقوله في قصة يأجوج ومأجوج: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ في بَعْضٍ} [الكهف: 99].
فإن قيل: الجراد بالنسبة إلى الفراش كبار، فكيف شبه الشيء الواحد بالصغير والكبير معًا؟.
قلنا: شبه الواحد بالصغير والكبير لكن في وصفين.
أما التشبيه بالفراش فبذهاب كل واحدة إلى غير جهة الأخرى.
وأما بالجراد فبالكثرة والتتابع، ويحتمل أن يقال: إنها تكون كبارًا أولًا كالجراد، ثم تصير صغارًا كالفراش بسبب احتراقهم بحر الشمس، وذكروا في التشبيه بالفراش وجوهًا أخرى أحدها: ما روى أنه عليه السلام قال: «الناس عالم ومتعلم، وسائر الناس همج رعاع» فجعلهم الله في الأخرى كذلك: جزاء وفاقًا.
وثانيها: أنه تعالى إنما أدخل حرف التشبيه، فقال: {كالفراش} لأنهم يكونون في ذلك اليوم أذل من الفراش، لأن الفراش لا يعذب، وهؤلاء يعذبون، ونظيره: {كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الفرقان: 44] الصفة الثانية: من صفات ذلك اليوم قوله تعالى: {وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} العهن الصوف ذو الألوان، وقد مر تحقيقه عند قوله: {وَتَكُونُ الجبال كالعهن} [المعارج: 9] والنفش فك الصوف حتى ينتفش بعضه عن بعض، وفي قراءة ابن مسعود: كالصوف المنفوش.
واعلم أن الله تعالى أخبر أن الجبال مختلفة الألوان على ما قال: {وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ ألوانها وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] ثم إنه سبحانه يفرق أجزاءها ويزيل التأليف والتركيب عنها فيصير ذلك مشابهًا للصوف الملون بالألوان المختلفة إذا جعل منفوشًا، وههنا مسائل:
المسألة الأولى:
إنما ضم بين حال الناس وبين حال الجبال، كأنه تعالى نبه على أن تأثير تلك القرعة في الجبال هو أنها صارت كالعهن المنفوش، فكيف يكون حال الإنسان عند سماعها فالويل ثم الويل لابن آدم إن لم تتداركه رحمة ربه، ويحتمل أن يكون المراد أن جبال النار تصير كالعهن المنفوش لشدة حمرتها.
المسألة الثانية:
قد وصف الله تعالى تغير الأحوال على الجبال من وجوه:
أولها: أن تصير قطعًا، كما قال: {وحملت الأرض والجبال فدُكَّتا دَكّةً واحدة} [الحاقة: 14].
وثانيها: أن تصير كثيبًا مهيلًا، كما قال: {وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب} [النمل: 88] ثم تصير كالعهن المنفوش، وهي أجزاء كالذر تدخل من كوة البيت لا تمسها الأيدي، ثم قال: في الرابع تصير سرابًا، كما قال: {وَسُيّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَابًا} [النبأ: 20].
المسألة الثالثة:
لم يقل: يوم يكون الناس كالفراش المبثوث والجبال كالعهن المنفوش بل قال: {وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} لأن التكوير في مثل هذا المقام أبلغ في التحذير. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {القارعة مَا القارعة} أي القيامة والساعة؛ كذا قال عامة المفسرين.
وذلك أنها تقرع الخلائق بأهوالها وأفزاعها.
وأهل اللغة يقولون: تقول العرب قَرَعَتْهُمُ القارعة، وفَقَرَتْهُمُ الفاقِرة؛ إذا وقع بهم أمر فظيع.
قال ابن أحمر:
وقارعةٍ مِن الأيام لَوْلاَ ** سبيلهم لزاحت عنك حِينا

وقال آخر:
مَتَى تَقْرَعْ بمَرْوتِكُم نَسُوْكُمْ ** ولم تُوقَدْ لَنَا في القِدْرِ نَارُ

وقال تعالى: {وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ} [الرعد: 31] وهي الشديدة من شدائد الدهر.
قوله تعالى: {مَا القارعة} استفهام؛ أي أيّ شيء هي القارعة؟ وكذا {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة} كلمة استفهام على جهة التعظيم والتفخيم لشأنها؛ كما قال: {الحاقة مَا الحآقة وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحاقة} [الحاقة: 1 3] على ما تقدّم.
{يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)}
{يوم} منصوب على الظرف، تقديره: تكون القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث.
قال قتادة: الفراش الطير الذي يتساقط في النار والسراج.
الواحدة فراشة، وقاله أبو عبيدة.
وقال الفراء: إنه الهَمَج الطائر، من بَعوض وغيره؛ ومنه الجراد.
ويقال: هو أطيش من فراشة.
وقال:
طُوَيِّشٌ منْ نفرٍ أطْياشِ ** أطيشُ من طائرة الفَراشِ

وقال آخر:
وقدْ كانَ أقوامٌ رددتَ قُلُوبَهُمْ ** إليهم وكانوا كالفراشِ من الجَهْلِ

وفي صحيح مسلم عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثَلُكُمْ كمثل رجل أوقد نارًا، فجعل الجنادِبُ والفَراشُ يَقَعْن فيها، وهو يذُبُّهنَّ عنها، وأنا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عن النار، وأنتمْ تُفْلِتونَ مِنْ يديِ» وفي الباب عن أبي هريرة.
والمبثوث المتفرق.
وقال في موضع آخر: {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} [القمر: 7].
فأوّل حالهم كالفَراش لا وجه له، يَتَحيَّرُ في كل وجه، ثم يكونون كالجراد، لأن لها وجهًا تقصده.
والمبثوث: المتفرق المنتشر.
وإنما ذكر على اللفظ: كقوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} [القمر: 20] ولو قال المبثوثة فهو كقوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 5].
وقال ابن عباس والفراء: {كالفراشِ المبثوثِ} كغَوغاء الجراد، يركب بعضها بعضًا.
كذلك الناس، يجول بعضهم في بعض إذا بعثوا.
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)
أي الصوف الذي يُنْفش باليد، أي تصير هباء وتزول؛ كما قال جل ثناؤه في موضع آخر: {هَبَاءً مُّنبَثًّا} [الواقعة: 6].
وأهل اللغة يقولون: العِهن الصوف المصبوغ.
وقد مضى في سورة {سَأَلَ سَائِلٌ} [المعارج: 1]. اهـ.